لا ريب في أن المؤمن لا يقبل أي مساس بكتاب الله جل وعلا وينتابه الغضب ممن يتجرأ على مثل هذه الدناءة، إلا أنه في بعض الأحيان يكون من الحكمة أن يكظم المؤمن غيظه ويضبط نفسه ويتجاهل من يريد استفزازه في مقدساته، ولا سيما إذا كان المستفز معتوها مغمورا كذاك العراقي الذي أقدم أخيرا على حرق نسخة من المصحف الشريف في السويد إذ هو من هذا الصنف الحقير من البشر الذين يسعون إلى الاشتهار وذيوع الصيت عبر الإعلام ووسائل التواصل كيفما كان.
لا هو من الشخصيات العالمية المعروفة، ولا هو بذي وزن علمي أو فكري أو سياسي حتى يُلتفت إليه. ولذا يكون ضربا من ضروب الغباء ما نراه اليوم من ردود أفعال واسعة على الجريمة التي ارتكبها، فإنها لن تصب في صالح القرآن ولا الإسلام إنما ستصب في صالح هذا المعتوه الأخرق الذي لا قيمة له، فبعد أن كان مغمورا سيغدو مشهورا تتتبع أخباره وتصريحاته وسائل الإعلام العالمية! وبعد أن كان لاجئا مشردا سيغدو في مأوى خاص توفره السلطات له مع حماية وراتب بدعوى أن حياته في خطر! فيعيش إثر ذلك عيشة الملوك ويكرر أفعاله الدنيئة مستمتعا باستفزاز المسلمين أكثر فأكثر!
اللهم إلا إذا ازداد الوعي عند المسلمين ونخبهم فأدركوا أن الواقع في الغرب يختلف عنه في الشرق، فإنك في الشرق إذا أردت الدفاع عن المقدسات فإن اللازم غالبا هو التصعيد الموصل إلى الردع، أما في الغرب فإنك إذا أردت الدفاع عن المقدسات فإن اللازم غالبا هو شيء واحد: التجاهل واللامبالاة! فإنه الذي يبقي المستفزين يذبلون ويخملون دون أن يلتفت إليهم أحد ودون أن يتعاطف معهم أحد.
ما كان على المسلمين لو تجاهلوا هذا الدنيء وأمثاله مظهرين أن الإسلام والقرآن أعظم من أن يُمَسًّ من أمثال هؤلاء السفهاء؟ لكان أقصى ما يمكن أن يحصل عليه هؤلاء: مقطع في يوتيوب أو تيكتوك! سرعان ما تغمره الأيام وتطويه إلى النسيان، كمئات المقاطع المسيئة هنا وهناك. غير أن المسلمين بغبائهم يأبون إلا الانفعال البعيد عن حكمة قوله تعالى: (وأعرض عن الجاهلين) فتراهم اليوم بحكوماتهم ونخبهم ونشطائهم يصعدون الأمر إلى أعلى مستوى، فيظهرون في صورة وكأن أمة قوامها ملياران تقف في مواجهة ولد واحد معتوه نكرة! وبعضهم من فرط جهله يظن أن الذي وقع سياسة حكومية سويدية لذا فإن الأمر يستأهل كل هذا التصعيد والانفعال، والحال أن شيئا من هذا ليس له حقيقة، فحكومة السويد - على سوئها - لم تكن تريد لهذه الجريمة أن تقع، وكان قرار شرطتها منع هذا المعتوه من أن يقدم على حرق المصحف، غير أنه لجأ إلى القضاء الذي أبطل قرار الشرطة. ومع ذلك فبعد ما أطلقه من شعارات أثناء جريمته وجهت له الشرطة تهما بتذكية العنصرية والكراهية.
وهكذا هو الأمر في الغرب، ليس القرار بيد فرد أو جهة، إذ تتنازع القرار سلطات ومؤسسات، فمتى يرشد المسلمون ويفهمون أن صخبهم في مثل هذه الحوادث لن يوقفها بل سيجعلها تزداد وتتكرر؟ فما هذه بأول حادثة من هذا النوع، فلقد سبقتها حوادث وحوادث من حرق المصحف الشريف، وفي كل مرة كان المسلمون يصعدون ومع ذلك لم يؤدِّ ذلك إلى وقفها. على المسلمين أن يكونوا أكثر حكمة.