بدعوة من هيئة خدام المهدي (عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف) أمَّ سماحة الشيخ الحبيب المصلين لصلاة عيد الفطر السعيد لهذا العام ١٤٣٥ تحت السماء في إحدى الساحات الخضراء من أرض فدك الصغرى، حيث توافد إلى الصلاة جمع من المصلين من لندن ومدن أخرى في المملكة المتحدة، ومن دول أوروبية ومن الشرق الأوسط.
وفي مستهل خطبته أوصى الشيخ المؤمنين بتقوى الله تعالى، وبالمداومة على ذكره جل ثناؤه، كما أشار سماحته إلى أن العيد جعله الله تعالى لمن قبل صيامه وشكر قيامه، واستدل بذلك بقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم وعظ المؤمنين موعظة بليغة.
وحذّر الشيخ المؤمنين - في الخطبة الثانية - أن لا ينخدعوا بالباطل إذا أُلبس عباءة الحق فإن ذلك من تلبيس إبليس، وذكر سماحته اعتذار هارون العباسي (لعنه الله) الباطل - وإن تظاهر بالحق - حين أراد حبس الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليهما السلام).
ثم اختتم سماحته خطبته بالتضرع إلى الله تعالى أن لا يمّكن إبليس من المؤمنين فيقعدهم عن نهضتهم، وأن لا يكلهم ربهم إلى أنفسهم طرفة عين، وأن يريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلا ويرزقهمم اجتنابه، وأن يحمي الله تعالى المؤمنين في كل مكان.
وأدناه نص الخطبتين كاملتين:
[الخطبة الأولى]
بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.
الحمد لله الذي كتب على نفسه الرحمة، ومنَّ بفضله على هذه الأمة، بأن جعلها خير الأمم، باتباعها لسادة العرب والعجم، النبي محمد المختار، وآله الأطياب الأطهار، صلوات الله عليهم كل حين وأوان، على كرور الأيام والأزمان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا وليه وحجته، شهادة ألقى بها الرب، مستقيلا بها من كل ذنب.
وأُشهد الله وملائكته، وأنبياءه ورسله، أني بآل محمد مؤتم، ومن أعدائهم بريء، وأني سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، وولي لمن والاهم، وعدو لمن عاداهم، لا أفتَر عن ذلك ولا أستكين، وإن قُطع مني الوتين.
أما بعد عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فبها ينجو الناجون، وإلى سبيل الجنة يمضون، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. سبحانه، ذكره شفاءٌ من كل داء، وطاعته جلاءٌ لكل بلاء. فأديموا ذكر الله على ألسنتكم، واجعلوا طاعته نَصب أعينكم، وأحيوا بتقواه خامل أفئدتكم.
وهذا يوم جعله الله عيدا لمن قبل صيامه، وشكر قيامه. ولقد خطب فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: ”أيها الناس، إن يومكم هذا يومٌ يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاّكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار، واعلموا - عباد الله - أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله، فقد غُفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون“. صدق أمير المؤمنين، عليه صلوات رب العالمين.
عباد الله، أخلصوا لله من الآن، فلقد غُفِر لكم من اليوم، ولستم تضمنون أنفسكم إلى قابل ليُغفر لكم ثانية! والشقي من يسوِّف التوبة، ولا يُقلع عن المعصية، مع رؤيته المنون تختطف فجأة من كان معه بالأمس، وصار اليوم تحت الثرى. وإنكم لو أخلصتكم لاهتديتم في غمرات هذه الفتن، ولعرفتم أيّاً من أيٍّ، والرشد من الغي. ولقد وعظتكم من قبلُ بكلمة من أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال فيها: ”ما أخلص العبد الإيمان بالله عز وجل أربعين يوما، أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عز وجل أربعين يوما إلا زهده الله عز وجل في الدنيا، وبصّره داءها ودواءها، فأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه. ثم تلا: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ» فلا ترى صاحب بدعة إلا ذليلاً، ومفتريا على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته صلوات الله عليهم إلا ذليلاً“.
صدق إمامنا الباقر عليه السلام، فابدأوا هذه الأربعين من اليوم، حيث غفر الله لكم في عيدكم، ومحا عنكم سيئاتكم، وتلكم فرصتكم لا تضيعوها، واقتنصوها، لتكونوا من أهل البدع بيننا على يقين، ولا يشتبه عليكم أمر المفترين، إذ يكشف الله لبصائركم ما في قلوبهم من دنس، فلا ترونهم إلا غيرنا وإن زعموا أنهم منا.
وإن مما يحسم أمركم في الشبهات وأصحابها، العمل بما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال: ”اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض، ثم اختر أقربها من الصواب وأبعدها من الارتياب“.
وإن على المرء منكم إذا ما وقف على الحق أن لا يحزن لقول الناس فيه الباطل، فقد قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: ”ما يضرّ رجلاً إذا كان على الحق ما قال له الناس، ولو قالوا: مجنون“!
اصمدوا على الحق، وذروا الخلق. ”قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ“. ”وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ“.
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿١﴾ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴿٢﴾ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿٣﴾ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴿٤﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴿٥﴾ نَارُ اللَّـهِ الْمُوقَدَةُ ﴿٦﴾ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴿٧﴾ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴿٨﴾ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴿٩﴾
[الخطبة الثانية]
الحمد لله كما حمده الأصفياء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، محمد وآله الأتقياء، واللعنة على أعدائهم الأشقياء.
معاشر المسلمين، لا يغرّنكم الباطل إذا أُلبس عباءة الحق، فإن ذلك من تلبيس إبليس. لعنه الله وأبعد قبيله، ما أشد مكرهم وأكثر خداعهم. إنه وإياهم قد رأوا اليوم أمة كانت مخدوعة مخدّرة، وقد أفاقت وصحت، فبرئت ممن نبذ القرآن، وأبطل السنن، وعطّل الأحكام، وحرّف الإسلام. فترى إبليس قد صاح بقبيله غاضبا، حتى إذا سكنت فورته عاد فمكر، واستعمل شياطينه، وهم كل من ليس على صفة الحق، كما قال الصادق عليه السلام: ”فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق؛ فأولئك هم شياطين الإنس والجن“.
عاد إبليس بمكره ليذرّ في الأبصار الرماد، لئلاّ يقبل الناس دعوة الحق، إذ صوّرها لهم في مثال الباطل، وصور الباطل لهم في مثال الحق، حتى انساق إليه من غرق في الطغيان والفساد، وصار يحارب الحق باسم الحق!
بلى، اسمعوا بمَ اعتذر هارون العباسي – عليه اللعنة – حين أراد حبس العبد الصالح، كاظم أهل البيت، موسى بن جعفر عليهما السلام. وقف هارون عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ”يا رسول الله، إني أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسى بن جعفر، فإنه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها“!
فما أشبه اليوم بالبارحة، ذا شيعة موسى بن جعفر إمام الرافضة ينادون بالحق، يدعون إلى البراءة من أعداء الله، وتلك ألسنة هارون تنطق بما نطق، يحاربون الحق باسم الحق فيقولون: إنهم يريدون تشتيت الأمة وسفك دمائها!
اللهم لا تمكّن إبليس منا فيقعدنا عن نهضتنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا لا أقل من ذلك ولا أكثر، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. اللهم احمِ المؤمنين في كل مكان، وأبعد عنهم سوء الحدثان.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصل على عبادك الأطياب، محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين سيد الشهداء، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن الزكي العسكري، والحجة القائم المهدي.