بمناسبة ذكرى استشهاد سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) مع ثلة من أهل بيته وأصحابه الأخيار (صلوات الله عليهم) ألقى سماحة الشيخ الحبيب كلمة قصيرة في مساء الاثنين الموافق لليلة العاشر من محرم 1435 هجرية، بثتها قناتا فدك وصوت العترة (عليهم السلام) على الهواء مباشرة.
الشيخ صدّر خطابه - الذي استمر حوالي 41 دقيقة - بتساؤلين جديرين بالتوقف عندهما وهما:
1- لماذا اختار الإمام الحسين (عليه السلام) طريق المصادمة دون اختيار طريق المسالمة أو المهادنة أو الموادعة؟
2- ما معنى تلك الكلمة الخالدة لسيد الشهداء التي قالها لابن زياد: ”هيهات منّا الذلة“؟
وفي الجواب على هذين التساؤلين أكد الشيخ أن منهج المصادمة هو منهج جميع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) إلا أن مصادمة الإمام الحسين (عليه السلام) ضد بني أمية قد كانت المصادمة الأقوى والأعنف للباطل، إذ اتخذت شكلاً استثنائيا ترك تموّجاً آخذاً بالازدياد في كل عام.
واستطرد سماحته أن الجواب المقتصر لتفسير ”الذلة“ في كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) أنها تعني اختياره عليه السلام لسلّ السيوف رفضاً للذلة التي هي بيعة يزيد (لعنه الله) ما هو إلا جواب غير تام؛ لأنه بإمكان أحد ما أن يُشكل على هذا القول بالسؤال: وهل قبول الإمام الرضا (عليه السلام) قهراً بأن يكون ولياً لعهد الطاغية المأمون العباسي كان يعني بأنه قد قبِلَ بالذل؟!
وأردف الشيخ قائلا أن أصل السؤال يبقى موجودا، وهو: لماذا اختار الإمام الحسين (عليه السلام) طريق المصادمة بهذا النحو الاستثنائي؟، فالجواب يحتاج تعمّقا في البحث لأجل التوصّل لمعنى ”الذلة“ في كلامه الشريف. بمساعدة ما ورد في السنة المطهرة من روايات توضّح هذا الشأن، فقد جاء البيان في سياق خطبة للإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان قد ألقاها عند رجوعه من معركة النهروان ومقاتلة الخوارج، إثر تثاقل جيشه عن أمر العودة إلى مجاهدة معاوية (لعنه الله)، إذ قال عليه السلام: ”يأتي الذل من وادع، غُلِبَ المتخاذلون“ (المصدر: كتاب الغارات لابن هلال الثقفي - الجزء1 - الصفحة 36).
فأكمل سماحته: ”فهنا نجد أن الفعل (وادع) آتٍ من (الموادعة)، وهي ضد المصادمة، وتعني المسالمة أو المتاركة والكف عن الأذى، فالنتيجة هي أن من يترك المصادمة في الحق سوف يأتيه الذل عاجلا أم آجلا ليتغلب عليه الطغاة، وهو الأمر الذي لم يفعله الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ولذا ظلّ بمنهجهم هذا الدين متوهجا وعزيزا“.
وفي الختام أشار الشيخ الحبيب إلى ما رواه أحد المهتدين من محافظة الشرقية في مصر، خلال البث المباشر مع سماحته قبيل شهر محرم الحرام، إذ عرّف الأخ المهتدي نفسه بأنه من رجال القانون قبل أن يفيد بأن السبب الأساسي في إعلان تشيّعه كان وقوفه على جريمة مقتل الحسين (عليه السلام) بكربلاء، حيث حلّل الجريمة فتوصل إلى أنها تعود إلى الانحراف والطغيان الذي أسّسه أبي بكر وعمر ومن تابعهم في السقيفة.
وشدد الشيخ الحبيب على أن هذا الاستنتاج هو ما يتوصل إليه كل باحث منصف لو أراد أن يصل إلى جذور ما جرى بأحداث الطف في يوم عاشوراء، وهنا يتضح لنا كيف أن الحسين عليه السلام أراد عبر هذه المصادمة أن يوجّه أقوى ضربة للسقيفة ليدفع الذل عن أمة جدّه (صلى الله عليه وآله).
وبهذه المناسبة الحزينة جدّد الشيخ الحبيب دعوته لكافة المؤمنين باستلهام هذا الدرس من الإمام الحسين وأستاذه الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)، بعدم ترك المصادمة مع جبهة الباطل ورموزه حتى يتحقق النصر بظهور مولانا صاحب الأمر الإمام بقية الله الحجة المنتظر (صلوات الله عليه)، سائلا المولى عز وجل أن يجعلنا من أنصاره وشيعته، ويعجل لنا في طلعته البهية ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن مُلئت ظلما وجورا، قبل أن يتقدم سماحته بخالص آيات العزاء والسلوى لمقامه الشريف.