تحت شعار ”الوحدة على منهاج المصطفى“ أقامت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) في لندن حفلها السنوي بمناسبة ذكرى مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام)، وذلك في ظل أجواء من البهجة والسرور بمشاركة كل من: المقرئ الحاج ”محمد غضبان“ حيث تلا آياتا من الذكر الحكيم، والباحث ”إسلام عباس“ ملقيا قصيدة باللغة الإنجليزية، والشاعر ”عادل الخطيب“ ملقيا قصائد باللغة العربية، والأخ ”جمال السلمان“ الذي كان عريفا للحفل، وسماحة الشيخ الحبيب الذي ألقى كلمة باللغة العربية.
وبهذه المناسبة ألقى سماحة الشيخ كلمة مطوّلة تناولت المشاحنات الخلافية في الوسط الشيعي لما يدور في هذه الأيام من أحداث ووقائع، حيث افتتح كلمته برفع التهاني والتبريكات إلى مقام المولى الإمام صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) والمراجع العظام.
وتعريفاً بمفهوم ”الوحدة الإسلامية“ الصحيح سلّط سماحته الضوء على ما جاء في الروايات الشريفة عن أهل البيت الطاهرين والنبي الأكرم (صلوات الله عليهم أجمعين) في هذا الشأن، مفتتحاً بما أخرجه شيخنا الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه ”معاني الأخبار“ تحت باب ”معنى الجماعة والفُرْقة والسُنة والبدعة“ والذي يجدر بالمؤمنين مطالعته لمعرفة المنهج المقبول عند خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) لجمع شمل المسلمين.
وأضاف سماحة الشيخ أن من الشواهد التي تحمل تعبيراً دقيقاً يُعمّق فهمنا لهذه الوحدة وبيانها، ما جاء في خطبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) - التي ألقاها في ذي قار - ورواها الكليني في الكافي الشريف، حيث قال عليه السلام: ”الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة“.
وتساءل سماحته: ”هل أن العقيدة البكرية التي تقول بأن الخليفة الأول من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أبو بكر تسير على حقٍ أم على باطل؟ مستدركا أن إجماع الشيعة في هذه المسألة يقوم على أن هذا أمرٌ باطل، وعليه فلا فائدة من الاجتماع على بقاء هذا الباطل“ في إشارة منه إلى الجهود التي يبذلها نظام السياسة الإيرانية في هذا الأسبوع، الذي يروّج له أنصاره بكافة سبل الدعاية عبر وسائل الإعلام تحت شعار ”أسبوع الوحدة الإسلامية“، ليستهله نظام طهران بإقامة ما يسمّيه المؤتمرات التقريبية بين المذاهب، وهي المؤتمرات التي يتزلف فيها لكبار المخالفين بمهاجمة الرافضة الساعين إلى إسقاط أئمة البدعة والضلالة المتمثلين في (أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومن أشبه)، عبر إعطاء هذه الشخصيات المنحرفة كل الحصانة والشرعية، وهو ما يؤدي بالمحصلة النهائية إلى خيانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، بالإسهام التدريجي في تدعيم أسس الباطل وتثبيت قداسته الزائفة.
واستطرد الشيخ حديثه بتوجيه رسالة مختصرة إلى رأس هذا النظام الخبيث، القابع على صدور المؤمنين منذ عقود، قاصدا بكلمته ”علي الخامنئي“، الذي صار يتابع ويرصد شخصيا - بحالة من الهستيريا - نشاط الرافضة الأبرار الذين يسعون لإماتة باطل المخالفين وتعرية رموزهم، ويدفع المذكور لذلك بغلمانه نحو مهاجمة الرافضة لإيقاف تمدد منهجهم في الوسط الشيعي، إثر استشعاره للخطر من انتشار طرحهم بين الناس.
فوجّه سماحة الشيخ خطابه للمذكور، قائلا: ”إسمع.. إنّي أقول لك بأن منطقك هذا لا يمكنك أن تخدع به المؤمنين - وإن خدعت به المخالفين وأمثالك من المنحرفين والدنيويين وبأحسن الأحوال السذّج من الناس - لأن منطقك هذا هو منطق معاوية، إلا إنّك يا معاوية عصرنا اعتمرت العمامة السوداء وبدأت تتحدث باسم أهل البيت عليهم السلام“.
ولتوضيح منهج معاوية؛ استعرض سماحة الشيخ الحبيب بعضاً من النصوص الدالة على استخدام معاوية وحزبه لهذه اللغة في جمع العرب والمسلمين، وهي اللغة التي يظهر لنا تشابهها إلى حدٍ كبير بخطابات خامنئي والمتحدثين من صبيانه، حيث كان معاوية حينما يخطب بالناس يأتي لهم بمنطق رائع ومعسول وبراق يشدد فيه على مبدأ الوحدة الإسلامية المقدسة، ويحذّر بشعاراته من الفتنة والشقاق!
فقد روى ابن كثير عن الشعبي أن معاوية حينما قدم إلى المدينة المنوّرة في ”عام الجماعة“ صعد المنبر فخطب خطبة جاء فيها: ”وإياكم والفتنة، فلا تهمّوا بها فإنّها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال، واستغفر الله لي ولكم“. (البداية والنهاية - الجزء 11 - الصفحة 432).
وروى أيضا عن عبد الملك بن نوفل قال: ”لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس – وأكفان معاوية على يديه – فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن معاوية الذي كان عود العرب وعونهم وجدهم، قطع الله به الفتنة، وملّكه على العباد، وفتح به البلاد“. (البداية والنهاية - الجزء 8 - الصفحة 152).
وعقّب سماحته على هذه النصوص قائلا: ”إن حكم معاوية قد امتد إلى 20 عاما، ولم تحدث خلاله أية حروب أهلية تذكر، بعكس ما كان بعهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث توالت الفتن والقلاقل، وعليه فإن معاوية نجح في جمع المسلمين على كلمة واحدة إلا أن ما حققه لا يعد إنجازا له، لكون ما حققه هو الوحدة الزائفة التي هي الفتنة والفرقة وابتداع دين آخر محرّف باسم الإسلام، يقوم على ذبح الحق، وعليه أقسم بالله العظيم بأننا لن نسمح لمعاوية الثاني اليوم بأن ينجح في هدفه بجمع المسلمين على مثل هذه الوحدة الزائفة“.
وعلى أية حال نقول للشيعي الواعي: ”لا تتأثر بإعلام الحكومة الإيرانية وأذيالها حول العالم، والذين يزرّقون في الناس هذه المفاهيم ذات الباطن الخبيث من قبيل كلمة حقٍ يراد بها باطل، وعليك أن تنظر بتجرد إلى هذين المنطقين لتختار المنطق الذي تراه الأقرب إلى مضمون الوحدة الإسلامية في كلام أهل البيت (عليهم السلام)“.
وأردف الشيخ قوله أن منطق ”الضحاك بن قيس الفهري“ يتكرر اليوم متجسدا في أمثال ”محسن الآراكي“ وسائر غلمان النظام الإيراني الذين عكّروا أجواء هذه المناسبة العزيزة في أنحاء شتى، بما في ذلك العتبات المقدسة، فترى هذا الرجل النذل مثلا يستخدم حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) لشحن الناس وتحريضهم ضدنا، عيْناً كاستخدام نظام آل سعود للعتبات المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لتحريض الناس ضد الشيعة والتشيّع، بلا مراعاة لضرورة إبقاء هذه العتبات المقدسة في منأى محايد عن الصراعات، لكونها أمكنة عامة لجميع المسلمين الذين يودّون أداء زيارتهم بأجواءٍ روحانية.
ورداً على ما طرحه الآراكي في معرض إدانته لأهل العالم الأول ومنهج الإنكار على رموز الباطل عند أهل الخلاف، قال سماحته: ”أراد الضحاك بن قيس (الآراكي) تجريمنا بالقرآن ضمن إحدى فعالياتهم النكراء بهذه الأيام، كاشفا بذلك عن مستوى الضحالة العلمية عند كبار قومه الذين هم في الواقع مجرد بالونات نفخ فيها الإعلام الدعائي الإيراني كثيرا، فهذا المتكلم يدّعي الاجتهاد وقد جعلوه في مجلس الخبراء ووكيلاً مطلقاً لخامنئي ورئيسا لمجمع التقريب بين المذاهب، ولكن أنظر الى منطقه الذي لا يتكلم به أصغر طالب علم!“.
أكمل الشيخ حديثه قائلا: ”يقول الضحاك بن قيس (الآراكي) أن القرآن الكريم اعتبر الوحدة أمراً مهماً جدا لدرجة أن الله يبيّن لنا في قصة النبي هارون (عليه السلام) مع رسول الله موسى (عليه السلام) بأنه أجاب عند سؤاله عن عبادة قومه للعجل «مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي» بالقول: «إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» فهذا يبيّن لنا بأن النبي هارون (عليه السلام) وإن كان لا يجيز لنفسه عبادة العجل، إلا أنه كان مستعدا لتحمل عبادة القوم للعجل الذي صنعه السامري لئلا يتفرق المجتمع وتقع بينهم الحرب والدم! انظروا إلى منطق هذا الأحمق في دعوته إلى ما يسمى ”الوحدة الإسلامية“ على منهاجهم، أنه يريد أن يقول أن المهم هو إبقاء الناس متوحدين وإن توحدوا على عبادة العجل، إن اعتبرنا بأن عِجل هذه الأمة هو أبو بكر! فهل هذا منطق يتحدث به عالِم؟! هذا الكلام لأحد كبرائهم، فماذا تنتظر من المغرر بهم من قبل الآلة الدعائية البترية الخامنائية وأذيالها المضللين؟! لا تستغرب منهم أن يتحدثوا بهذا المنطق حينما يتهمون الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه سكت أي قعد عن أداء وظيفته الشرعية من أجل وحدة المسلمين! والحال أن هارون (عليه السلام) لم يسكت عن هذا المنكر، بل تصدى لهم بالبيان والمجاهرة بالبراءة منهم وتكفيرهم، ولو كلّف هذا الجاهل نفسه عناء قراءة الآية السابقة للآيات التي استدل بها لوجد بطلان إدعائه في صريح القرآن حيث يقول تعالى: «ولَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي»، وقد أوقع هارون انشقاقا في بني إسرائيل سبّب بعض المصادمات التي همّ على إثرها قومه إليه ليقتلوه ومن معه إلا أنه (عليه السلام) هرب من بينهم“. (راجع: تفسير القمي - الجزء 2 - الصفحة 62 - في حديث للإمام الباقر عليه السلام).
وأضاف الشيخ، قائلا: ”وبعد أن سفّه هارون باطلهم ببيان الحق فيه انحاز معه قوم من المؤمنين سمّوا عند الله بالرافضة - راجع الكافي الشريف للكليني الجزء 8 الصفحة 34 - وعليه فليس من معاني التفريق الذي خشاه عليهم هارون في الآية أنه (عليه السلام) لم يفرّق بينهم تفريقاً دينياً، وإنما المراد أحد المعنيين التاليين أو كليهما بمقتضى التفاسير التي جاءت في الروايات، وهو أنه عليه السلام لم يفرقهم بينهم دموياً - راجع الفوائد الطوسية للحر العاملي الصفحة 16 - أو أنه لم يفارقهم مكانياً لينزل عليهم العذاب - راجع علل الشرائع الجزء 1 الصفحة 68 - كما أن هارون لم يخالف أمر موسى (عليه السلام) حيث أوصاه موسى بأن يخلفه في قومه ويصلحهم - راجع سورة الأعراف الآية 143 - وعلى هذا حاول أحد كبار المخالفين وهو ”الفخر الرازي“ أن يؤكد على صلاح فرقته وإنكار إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالاستناد على الحديث النبوي الشريف ”عليٌ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي“ بالقول أن الإمام علي (عليه السلام) لم يجاهد بلسانه الجمع العظيم الذي اجتمع على المنكر بتولي أبي بكر وعمر وعثمان من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كما جاهد هارون أولئك الذين عبدوا العجل بصعوده على المنبر لتسفيه باطلهم، فردّ عليه شيخنا الحر العاملي باثني عشر جوابا كان منها ما أكد فيه على أن الإمام علي (عليه السلام) لم يسكت أو تمنعه التقية من الكلام في الإنكار على رموز الضلالة الذين تولوا السلطة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك لم يسكت سائر الأئمة الأطهار (عليهم السلام)“.
ونوّه الشيخ الحبيب أن ما يريده الآراكي هو تكميم الأفواه التي تعلو بفضح قتلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) ونشر مظلوميتهم في الأمة، وأن ما جاء به هو تحريف لمعاني القرآن بزخرفة الضلالة كما يُزخرف النحاس بالفضة المموّهة، بخلاف ما نمضي عليه نحن في اتبّاع أهل بيت المصطفى (صلوات الله عليهم)، الذين أمرونا بأن نبيّن الهدى للمخدوعين بالضلالة.
وتابع سماحته حديثه عن قصة موسى وهارون والقوم الذين عبدوا العجل الذي صنعه السامري، قائلا: ”على منطق الآراكي يكون موسى (عليه السلام) مخالفا للوحدة إذ أوقع الفتنة في قومه بأن أمرهم بقتل أنفسهم، حتى قتل بعضهم بعضا ليسقط منهم عشرة آلاف قتيل، قبل أن يرفع الله عنهم التكليف لتوسلهم بمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم). (تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) - الصفحة 254 - حديث رقم 124).
وفي ختام كلمته جدد الشيخ الحبيب دعوته لخامنئي والعاملين في بلاطه إلى الكف عن اللعب بالأحاديث والآيات القرآنية والعبث بالأمة، كما كرر سماحته الدعوة للشيعة بأن يختاروا المنطق النبوي للوحدة الإسلامية والذي تمثله الحوزة الشريفة التي يسعى النظام الإيراني في تغييب صوتها عن العالم مما يكشف عن مدى اهتزازه، واضعين نصب أعينهم منطق سلمان المحمدي (رضوان الله عليه) الذي قال: ”إن الناس صاروا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون، وعتيق في شبه العجل، وعُمر في شبه السامري“. (كتاب سليم بن قيس - الصفحة 162).