2015 / 06 / 01
أقامت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) في لندن احتفالاً بقدوم ذكرى مواليد الإمام الحسين والإمام السجاد وأبي الفضل العبّاس (صلوات الله عليهم)، حيث أحيت الهيئة هذه الأعياد السعيدة بمشاركة جمع من الإخوان والأخوات الذين حضروا للابتهاج بهذه المناسبة السعيدة في مسجد السبط الثالث المحسن الشهيد بأرض فدك الصغرى، وتضمّن الاحتفال مشاركة للشيخ الحبيب بكلمة تضمّنت ثلاثة أجزاء، جاء فيها:
”بادئ ذي بدء نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لإمامنا الحجة المنتظر عجّل الله فرَجه الشريف وجعلنا من أنصاره وشيعته المستشهدين بين يديه، بحلول المناسبات المتوالية لمواليد آبائه الطاهرين في هذه الأيام، وهنا لابدّ لنا في مثل هذه الذكرى أن نستخلص بعض الدروس من السيرة الوضّاءة لهؤلاء الأنوار من أقمار بني هاشم، ولنبدأ بإمامنا أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) بأن نستعرض جانباً من سيرته، لعلّه قلّما يطرق الأسماع“.
كلمة سماحة الشيخ حول الإمام الحسين (عليه السلام):
”لقد جاء في مصادر تاريخية عدة، ومنها تاريخ الطبري، أن الطاغية الماجن يزيد بن معاوية (لعنة الله عليهما) قد أرسل إلى عبد الله بن العباس كتاباً - بعد خروج الحسين (عليه السلام) إلى مكّة المكرمة - يناشده فيه بصورة الشفيق مناصحا الحسين بالعدول عن السعي في الفرقة وتمنّي الخلافة، بمعنى الوصول إلى سدة الحكم، إظهاراً منه للحرص على وحدة المسلمين واجتماع الكلمة وتجنّب الحروب، وقد حشا كتابه هذا أبياتاً شعرية أوصلها لأهل مكّة والمدينة من قريش وقد أظهرَ فيها مدح السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)!
فكانت النتيجة أن استجاب ابن العبّاس ليزيد (لعنه الله) فأطالَ الحديث مع الحسين (صلوات الله عليه)، في محاولة لثني الإمام عن المضي إلى العراق، بدعوى الخوف عليه من تعريض نفسه للهلاك والضياع، والحرص على اجتماع الإلفة واطفاء النائرة بين المسلمين، فأبى الحسين ذلك ولم يتمكن ابن العبّاس من منعه فخرَجَ ابن العبّاس مُغضبا.
ثم أن الحسين (عليه السلام) بعَثَ إلى المدينة فقدم عليه تسعة عشر رجلاً من بني عبد المطلب كان من بينهم أخوه محمد ابن الحنفية، الذي حضَرَ للاعتراض على الحسين - بكل وقاحة - بمحاولة ثانية لثنيه عن الخروج إلى العراق بدعوى الحرص على الوحدة ونبذ الفرقة، ولم يكتف ابن الحنفية بإبداء رأيه فقط بل حبَسَ أولاده عن الحسين فلم يبعث معه أحداً منهم، حتى أحزنَ الحسين بذلك، ومع هذا مضى الإمام في طريقه إلى أن استشهد في كربلاء مع خُلّص أصحابه.
إن الإمام الحسين (عليه السلام) لم ينخدع بالمنطق البائس الذي أراد به يزيد استدرار العواطف، فرفضَ تلك الوحدة الشيطانية التي بناؤها ذبح الحق و افشاء الضلالة، غير آبهٍ بما قيل عنه من أرادته إثارة التوترات وتفريق كلمة المسلمين وغير ذلك من الكلام الذي لا قيمة له، وكان جوابه على يزيد بأن كتبَ له هذه الآية: «وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ».
وبعد استشهاد الحسين أثبت الزمان كذب الوغد يزيد، بأن ظهرَ فجوره للعلن حتى جاء في كتب التاريخ، ومنها مروج الذهب للمسعودي، أن يزيد (لعنه الله) جلسَ ذات يوم على شرابه فاقبل على ساقيه وأنشأ أبياتاً تبدي خبث سريرته، ثم أمرَ المُغنّين أن يغنّوا بها، كما غلبَ على أصحابه وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهرَ الغناء بمكّة والمدينة واستعملت الملاهي وأظهرَ الناس شرب الشراب!
لقد قدّم يزيد الكلام المعسول في بداية حكمه حين خشِيَ من ثورة الحسين أن تقتلع سلطانه، ولذا اظهرَ نفسه بصورة الشفيق المتقي لله حتى يتمكن ويستتب له الأمر، وهذا هو حال كل الحكّام الطغاة اليوم ومن تحالف معهم، إذ تراهم بمجرّد أن يقع شيء يُحدث حالة من الهيجان واليقظة لدى الشيعة ويهتز لذلك الحكم - كحادثة القديح الإرهابية - فأنهم يبادرون إلى تقديم الكلام المعسول الذي يسعون من خلاله لدفع الشيعة عن صحوتهم بإرجاعهم نائمين، خشية أن يهبوا مجتمعين في ثورة تقتلع وجودهم بممالكهم، وعليه ينبغي عدم البرود بوضع الاعتبار لهذا الكلام وعدم الاستماع لاؤلئك الذين ينجرّون نحوه وينخدعون به وإن كانوا من أقرب الناس، تماماً كما فعلَ الإمام الحسين (عليه السلام)“.
أمّا كلمة حول أبي الفضل العباس (عليه السلام) فهي كما يلي:
”لماذا وصلَ العباس الى هذا المقام الرفيع حتى قال فيه السجّاد (عليه السلام): ”إنَّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة“. (الخصال للصدوق - الصفحة 68)؟ لاحظ هنا أن الإمام لم يخصّص الشهداء من غير الأنبياء بل يشمل ذلك حتى شهداء الأنبياء!
لمعرفة سبب وصول العباس بن أم البنين (عليهما السلام) إلى هذه المرتبة الرفيعة نجري مقارنة بينه وبين أخيه محمد بن الحنفية، وكلاهما أخوين للحسين من جهة الأب، ولكن شتّان بين الاثنين، بين محمد ابن الحنفية الجبان الذي انطلى عليه الكلام المعسول ليزيد وبين العبّاس الذي سلّم تسليماً مطلقاً لإمامه الحسين (عليه السلام) ولم يسجّل له التاريخ مخالفة واحدة. وللعلم فقد فسّر علماؤنا الأبرار تلك الرواية المعتبرة في (بصائر الدرجات) عن حمزة بن حمران بسنده إلى الصادق (عليه السلام) عن جدّه الحسين (عليه السلام) أنه كتبَ بقرطاس: ”بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم؛ أما بعد.. فإنه من التحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح؛ والسلام“ بأنها تدل على ذمّ ابن الحنفية لعدم تسليمه للإمام، بينما على النقيض تماماً نجد أن العباس صاحب الطاعة التامة لإمامه قد وردَ اسمه بالزيارة الواردة عن الإمام الصادق فنخاطبه فيها بالقول: ”سلام الله ... عليك يا ابن أمير المؤمنين، أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلغ، والمظلوم المهتضم. فجزاك الله عن رسوله وعن أمير المؤمنين وعن الحسن والحسين (صلوات الله عليهم) أفضل الجزاء، بما صبرت واحتسبت واعنت، فنعم عقبى الدار ... السلام عليك أيها العبد الصالح، المطيع لله ولرسوله، ولأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه على روحك وبدنك. وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابون عن أحبائه، فجزاك الله أفضل الجزاء، وأكثر الجزاء، وأوفر الجزاء، وأوفى جزأ أحد ممن وفى ببيعته، واستجاب له دعوته، وأطاع ولاة أمره. وأشهد أنك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود، فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه افسحها منزلا، وأفضلها غرفا، ورفع ذكرك في عليين، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. أشهد أنك لم تهن ولم تنكل، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتديا بالصالحين، ومتبعا للنبيين..“.
فهذا التسليم وعدم الانخداع بالأمان الذي أعطي له هو ما قاد العبّاس إلى هذه المنزلة الرفيعة أولاً، وثانياً تجاوزه التلكؤ والجُبن والتردد والضعف باكتسابه الشجاعة والبسالة من أبيه الكرار (صلوات الله عليه).
تلك الشجاعة التي لم يمتلكها ابن الحنفية، الذي اعترف بنفسه بمخازيه في التراجع والتكأكؤ في حرب الجمل حينما دُفِعت إليه الراية من أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فذمّه والده (صلوات الله عليه) بعبارة قوية وردت في (قرب الإسناد للحميري) حينما كرّر موقفه الجبان في حرب النهروان، إذ قال له: قدِّم يابن اللخناء!
أما العبّاس فقبل أن تظهر بسالته في معركة الطف بشقّه الصفوف لسقاية الماء لأبناء الحسين، كانت الشجاعة بادية عليه منذ أن كان عمره سبعة عشر عاما حيث شاركَ ضد معاوية في حرب صفّين، وبرز نجمه حينها عندما تقدم لقتال المدعو أبا الشعثاء - الذي كان يعتبر بألف فارس - فصرعه مع من تقدموا قبله، حتى حار فيه أهل الشام فلم يجرؤ أحد منهم التقدم لمواجهته.
وعليه فلا شيعي يفتخر اليوم بابن الحنفية، إذ لا فخر بالجُبن والخوف والخيبة وتملّك الفزع من مواجهة العدو، لذا علينا أن نكون مثل العباس لندرك بأننا أقوى من داعش ومن آل سعود ومن كل هذه الجيوش التي اصطفت لمحاربتنا، فقط ما نحتاجه هو توحيد الكلمة على الجهد الدفاعي تحت قيادة تمتلك شجاعة العباس لا قيادة تمتلك جُبن ابن الحنفية اللخناء.
كل ما يلزمنا هو أن نتعلّم من العباس تصحيح الرؤية وامتلاك الثقة بالنفس ونزع المهابة من النفوس فتصعيد اللهجة بالشجاعة والاقدام في مواجهة الأوغاد الذين يريدون إفناء الشيعة من الوجود، لنرتقب بعد ذلك الانتصارات“.
كلمة حول السجّاد (عليه السلام):
”إن الإمام السجّاد الذي هو مدرسة في أدعيته بالصحيفة السجادية، هو أيضا مدرسة في الشجاعة فمع كل ما عاناه في زمانه الذي كان أصعب الأزمنة بعد مجزرة كربلاء، بتلك الظروف العصيبة التي كان يعاني فيها الاضطهاد، فأنه لم يترك التصريح بالحق، عبر بيان موقف أهل البيت الشرعي من الطاغيتين أبي بكر وعمر، فقال عنهما في تلك الرواية الشهيرة: ”أبو بكر وعمر كافران كافر من أحبهما“. (تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي).
كما جاء في دعائه: ”اللهم استعملني في مرضاتك عملا لا أترك معه شيئاً من دينيك مخافة أحد من خلقك“، ما يبيّن لنا بوضوح وجوب السعي لنزع مخافة أهل الباطل وهيبتهم من أنفسنا، لاقترانها بالخيبة، وبالتالي ضرورة الالتزام الجدي بالعمل لرفع التقيّة عن ديننا لكونها بمثابة استراحة المحارب.
كذلك لم ينخدع الإمام السجاد (عليه السلام) بالليونة التي أظهرها الملك الأموي عمر بن عبد العزيز في قراراته التي تعجب الشيعة، والتي كان منها رفع السب عن خليفة رسول الله الأول الإمام علي (صلوات الله عليه)، وإيقاف ملاحقة الشيعة، واظهار العدل مع الرعية، فاستبق ذلك بأن صرّح بالموقف الشرعي من هذا الحاكم الماجن قبل وصوله إلى الحكم، حيث حدّث عبد الله بن عطاء التميمي بأن عمر بن عبد العزيز سيلي الناس ولا يلبث عليهم إلا يسيراً حتى يموت، فإذا هو مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض. (دلائل الإمامة - الصفحة 204)“.
وختم الشيخ قائلا: ”وفي الختام نكرر: لا تنخدعوا بالمظاهر، كونوا كسادتكم الحسين والعباس والسجاد (صلوات الله عليهم) في الشجاعة والإقدام، لا تتركوا شيء من دينكم مخافة أحد من الخلق حتى ينصركم الله ويثبّت اقدامكم“.