أقامت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) احتفالا بهيجا بمناسبة ذكرى ميلاد إمام العصر الخليفة الشرعي الثاني عشر الإمام المهدي (عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) لسنة 1436 هجرية. وحضر الحفل الكريم سماحة الشيخ الحبيب وسماحة السيد أحمد الموسوي والسيد علي الحسيني، ومجموعة من الشعراء والرواديد، وجمع من المؤمنين.
وارتقى سماحة الشيخ المنصة وألقى كلمة في المناسبة جاء فيها:
”إن الله تعالى في سورة البقرة يبدأ خطابه لبني إسرائيل قائلا: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»، وكرر تذكير بني إسرائيل بنعمته عليهم فقال: «اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ»، ثم عدد سبحانه هذه الأنعم على بني اسرائيل فكان مما قال: «وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ»، إلى أن يقول سبحانه معدداً أنعمه عليهم: «وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»، فمع كل هذه النعم الإلهية والأفضلية وعفو الله تبارك وتعالى عنهم ماذا حصل؟ أشكرت تلك الأمة أم على العكس؟
يقول سبحانه: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» كان هذا حال بني إسرائيل وكذلك هو حال هذه الأمة، إن الله تعالى حين خاطب هذه الأمة في سورة آل عمران أيضا عبر عن تفضيلها على الأمم إذ يقول سبحانه: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..». إذا كان الله قد ذكّر بني إسرائيل بأنعمه وكيف أنقذهم من آل فرعون وكيف تحولوا من عبيد لفرعون وآله ببركة موسى إلى سادة ومفضلين على العالمين فقد ذكّر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة في سورة الأنفال حيث قال: «وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»“.
وأكمل الشيخ قائلا: ”رُزقت هذه الأمة البركة بمبعث النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فيها، فهذا النبي العظيم الذي لولاه لما زكت هذه الأمة ولما كانت لها قيمة أصلاً. قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها العصماء الفدكية وهي تصف أباها: ”ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه فرأى الأمم فرقا في أديانها، وعكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار عماها، وأقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم“. إن النبي لم ينقذنا للآخرة فقط بل أنقذ دنيانا وإلا لكان العرب إلى هذا اليوم يعيشون أذلة صاغرين فهو الذي جاء بهذه الحضارة العظمى. وإن لهذا النبي عهد عَهد به إلى أمته والله تعالى يأمرنا بأن نفي بالعهود حيث قال: «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً»“.
ثم تساءل سماحته قائلا: ”ما هو هذا العهد النبوي لهذه الأمة؟ بعد كل هذه التضحيات والإنجازات والخدمات التي قدمها هذا النبي ماذا كان عهده؟ هو الذي أمر الله نبيه بأن ينطق به حيث قال: «قل لّا أَسأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» فهذه هي المكافأة الوحيدة“.
ثم استطرد الشيخ قائلا: وقد ذكر البخاري أيضا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ”إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وَتمسكوا به وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي“، وقد ذكر البخاري عن النبي (صلى الله عليه وآله): ”لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!“ إن الله بيّن هذه الحقيقة الغيبية حيث قال: «لا أُقسِمُ بِالشَّفق وَاللَّيلِ وَمَا وَسَق وَالقَمَرِ إِذَا اتَّسق لَتَركَبُنَّ طَبقًا عن طَبق». فسّر أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الآيات فقال - كما في الاحتجاج -: ”أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء“. وفسّر إمامنا الباقر (عليه السلام) الآيات - كما في الكافي الشريف -: ”أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر أبي بكر وعمر وعثمان؟!“ لماذا ركبت هذه الأمة طبقاً عن طبق وصنعت ما صنع أهل الأمم السالفة؟ لأنها قد قست قلوبها فقد قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: «وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبا...» إلى أن يقول سبحانه: «فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُم لَعَنَّاهُم وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّما ذُكِّرُواْ بِهِ...».
ثم أضاف سماحته بقوله: ”إن بني إسرائيل استحقوا لعنة الله لقسوة قلوبهم حيث نسوا حظاً مما ذكروا به، ألم تقسوا قلوب هذه الأمة؟ ألم تنسَ هذه الأمة حظاً مما ذكرت به؟ ما الذي ذكّركم رسول الله (صلى الله عليه وآله) به ثلاث مرات؟ ألم يقل ثلاثاً: ”أذكركم الله في أهل بيتي“ فلماذا نسيتموهم وألغيتم خلافتهم؟!
كما أن بني إسرائيل لهم إثنا عشر نقيباً، فإن لهذه الأمة إثنا عشر خليفة وهذا مما ثبت حتى عن طرق مخالفينا فإنكم تجدون في مسند أحمد مثلاً عن مسروق قال: ”كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله، فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل“، وتجدون أيضأ قوله صلى الله عليه وآله: ”لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش“. إن أهل البيت (عليهم السلام) خلفاء دين لا يضرّهم أن يأتي غيرهم ويسلب منهم هذا المقام وينصب نفسه خليفة فإنه يبقى خليفة غير شرعي“.
ثم أكمل سماحته بالقول: ”إذاً بنو إسرائيل نقضوا العهد والميثاق ونسوا حظاً مما ذكروا به وهذه الأمة فعلت الشيء ذاته؛ نقضت عهد نبيها ونست حظاً مما ذكرها به“.
ثم وجّه الشيخ خطابه إلى معاشر المخالفين قائلا: ”يا أيها المخالف! أنت بين طريقين، إما أن تتبع أولئك الذين نقضوا وخانوا عهد الله وتستمر في إنكارك للأوصياء والخلفاء الإثني عشر؟ أو أن تستغفر الله وتتوب إليه من ذلك وتعود لتؤمن بالأئمة الشرعيين فلا تغدر بهم ولا تخون عهد النبي وتذكيره إذ قال: ”أذكركم الله بأهل بيتي“. إن عليك في هذه المناسبة أن تعرف الإمام الثاني عشر قبل فوات الأوان لأن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنعام: «يومَ يأتِي بعضُ آياتِ ربكَ لا ينفعُ نفسًا إيمانهَا لم تكُن آمنت من قبلُ أو كسبتْ في إِيمَانِهَا خَيرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُون»؛ فسر هذه الآية جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) كما في كمال الدين: ”الآيات هم الأئمة والآية المنتظرة القائم فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت، من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليهم السلام)“. إن إحدى ما يصاحب ظهور مهدينا (عليه السلام وعجل الله فرجه) من العلامات آية طلوع الشمس من مغربها فإذا حظرت هذه الآية الإعجازية لا ينفعك حينئذ الإيمان.
يا أيها المخالف! اعلم أن المهدي حق واعلم أنه الإمام والخليفة الشرعي وهو حي يرزق وقد ثبت في أحاديثك أن المهدي من ولد فاطمة فلماذا تنكر؟ جاء في سنن أبي داود عن أم سلمة قالت: ”سمعت رسول الله يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة“، وجاء في كتاب الإمام الأخير لسفيره علي بن محمد السمري: ”بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً...“. بالله عليكم هل قست القلوب أكثر مما نشاهده الآن؟! إن الناس تُحرق أحياءً ويُمثّل بجثثهم، إن الأطفال والرضع يقتلون، والنساء تغتصب. إن الظلم والجور اكتنف العالم، ماذا حلّ بأهل الأرض حتى قست قلوبهم إلى هذا الحد؟!“.
وختم الشيخ كلمته قائلا: ”بادر لبيعة إمامك.. فإذا ظهر لا ينفعك إيمانك إن لم تكن آمنت من قبل“.