الشيخ الحبيب يجيب عن أسئلة المؤسسة العالمية للحضارة الإسلامية من واشنطن حول العنف والإرهاب

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2007 / 11 / 23


تلقى الشيخ الحبيب رسالة من المؤسسة العالمية للحضارة الإسلامية ومقرّها واشنطن تضمّنت أسئلة متعددة حول العنف والإرهاب وموقف الإسلام منهما وذلك للإجابة عليها وإرسالها إلى الجامعات الأميركية والأوربية التي تهتم بمعرفة موقف الإسلام في هذه القضية المهمة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة، وقد أجاب سماحته عليها مفصّلا. ولتعميم الفائدة ننشر هنا النص الكامل للرسالة والأسئلة والأجوبة:

أبدت المعاهد و الجامعات العلمية المختلفة في اروبا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، و..) وكذلك الولايات المتحدة الاميريكيه – بالخصوص جامعة جورج واشنطن - اهتماما بالغا بدراسة الفكر الإسلامي و محاولة معرفة موقف الإسلام من نهج "العنف “ الذي مارسته مجموعات متطرفة مؤخرا و قامت بتنفيذ عمليات تفجير و قتل الأبرياء و... .

و قد تلقت "ألمؤسسه العالمية للحضارة الإسلامية " أسئلة و استفسارات عديدة (من مختلف الجامعات و المتخصصين بدراسة الاديان و بحوث الحضارات وعلم الاجتماع ) تتعلق بموقف الإسلام من مبدأ العنف و اللاعنف .. و هل إن الدين الإسلامي يدعوا الى السلم و اللاعنف؟ او يدعوا إلى العنف و الأعمال الارهابيه؟. وبما أن كلا المنهجين نقيض للآخر فلا بد أن نكتشف ايجابيات وسلبيات كل منهج من اجل الوصول نحو الأفضل والأسلم والانجح.

وللوقوف على تلك الحقيقة، توجهت "ألمؤسسه العالمية للحضارة الإسلامية" – واشنطن - بهذه الأسئلة إليكم مراجع الأمة الاسلاميه وقادتها حفظهم الله ... المفكرين، أصحاب الرأي و أساتيذ الجامعة و...... ، تاركين لكم كلمة الفصل .. و لكم جزيل الشكر.

س1: ماهو تصوركم لكل من المفاهيم التالية: العنف..اللاعنف … الإرهاب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

ج1: العنف إقدام غير مبَرّر على فعل أو سلوك يسبب فناءً أو أذى جسديا أو عقليا لفرد أو لمجموعة أو دمارا لمكوّنات الحياة.

اللاعنف هو التزام السلوك السلمي البعيد عن الاحتراب وعن استخدام الوسائل المسببة للضرر الأحيائي أو البيئي إلى أقصى درجة ممكنة.

الإرهاب هو غالبا توظيف سياسي للعنف بغية إشعار الخصم بالرعب والخوف وإجباره تاليا على الرضوخ لمطلب ما، وفي حالات يكون الإرهاب ردا على فعل ما محلّ شعور بالهزيمة.

س2: ما هي العلاقة بين كل من العنف والشرع؟ وهل يؤيد الشرع العنف ؟

ج2: علاقة تضاد. فالشرع لا يؤيد اللجوء إلى العنف لتحقيق الغايات والمطالب لأنه جاء على أساس نشر السلام والعدالة الإنسانية التي تختفي معها المسببات الحقيقية للعنف والتي تكون غالبا هضم الحقوق وإيقاع الظلم على أفراد أو فئات. وقد اعتبر الشرع الإسلامي هذه المهمة أعلى مرتبة أخلاقية في سلّم التكامل الإنساني إذ قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بخير أخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: إفشاء السلام في العالم". (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج73 ص12 عن كتاب الغايات).

بل إن الإسلام يمنع من استخدام العنف حتى بالنسبة للأموات فكيف بالنسبة للأحياء؟ فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه أوصى أحد أصحابه بأن يغسل الميّت قبل دفنه برفق ولطف قائلا له: "اغسله برفق وإياك والعنف". (الكافي للمحدّث الكليني ج3 ص140).

بل إن الإسلام منع من استخدام العنف حتى بالنسبة للحيوان فكيف بالنسبة للإنسان؟ فقد رُوي أن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "إن الله تبارك وتعالى يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عليها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها". (من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج2 ص289).

هذا وقد عبّر الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام) عن أهمية اللاعنف والرفق والرحمة وأن ذلك محبّب عند الله تعالى بقوله: "إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". (الكافي للمحدّث الكليني ج2 ص119).

س 3: ما هي برأيكم الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟ وما هي أهم النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب؟

ج3: سببان رئيسيان أولهما وجود الموروث الثقافي المشجّع على ارتكاب الأعمال العنيفة بتوهّم وجود المبرر الشرعي لها، وثانيهما اختلال موازين السياسة العالمية بالشكل الذي يشعر تلك الجماعات بوقوع العرب والمسلمين تحت نطاق الظلم والجور، فيكون الردّ بالعنف والإرهاب تفريغا للاحتقان النفسي المتولّد فيها.

النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب لا يمكن حصرها، لكنها تنحصر في كلمة واحدة هي "الدمار"، فإن الفعل والفعل المضاد سيتواليان إلى أن يتحقق دمار المجتمع الإنساني على الكرة الأرضية.

س4: كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب او استئصاله جذريا؟

ج4: عملية الاستئصال الجذرية تتطلب استئصالا للنسخة المزيفة من الإسلام وإحلال النسخة الأصلية محلّها في عقول عامة المسلمين، فقد تم تحريف الدين الإسلامي بواسطة أول حكومة انقلابية جاءت بعد رحيل رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكملت الحكومات التالية هذه المهمة حتى تكوّن لدينا إسلام آخر يحرّض على العنف ويوفّر المبررات الشرعية له. وخطّت ممارسات الحكام بدءا من أبي بكر بن أبي قحافة وحتى سلاطين بني عثمان (لعنهم الله جميعا) خط التطرف والإرهاب في الإسلام وجاء فقهاء السلطة ليسبغوا عليها الشرعية، في حين أنه بالعودة إلى القادة الشرعيين للإسلام وهم أبناء النبي محمد (صلى الله عليهم أجمعين) نجد تحذيرا صارما من إراقة الدماء وتنبيها مستمرا على السلوك السلمي واللاعنفي وسيرة ملؤها الرحمة والعطف.

س5: هل يعتبر العنف قاعدة واصل؟ ام انه استثناء للضرورات وكذلك اللاعنف؟

ج5: ما هو بقاعدة ولا استثناء، فالعنف مرفوض على كل حال في شريعتنا. والأصل هو السلم، وما عدا ذلك تؤطره أحكام خاصة لا يصدق عليها مصداق العنف.

س6: ماهي علاقة الجهاد بالعنف؟ وهل الجهاد هو عنف والعنف هو جهاد ؟

ج6: لا علاقة له به، بل هناك اختلاف جذري بينهما، فالجهاد لا يأتي إلا اضطرارا في حالتين أساسيتين هما: الدفاع عن الأمة الإسلامية إذا تعرّضت لاعتداء خارجي أو الدفاع عن تماسكها إذا تعرّضت لفتنة حربية أهلية. والحالة الثانية هي إنقاذ المظلومين والمستضعفين وفرض السلام العالمي، وبذا يكون اللجوء إلى الجهاد لجوءا اضطراريا لاستخدام القوة من أجل فرض السلام بعد استنفاذ كل الوسائل السلمية الممكنة كالمفاوضات والضغط الشعبي والإعلامي وما أشبه. والجهاد الابتدائي عندنا لا يسمح للمكلّف (أي الفرد المسلم البالغ) به إلا بإذن الإمام المعصوم المتصل اتصالا مباشرا بالله جل جلاله، أو إذن غالبية نوّابه من مراجع التقليد في زمن غيبته، وفي هذه الحالة يتحرّز من إمضائه إلى أقصى حد، ويوصى بتقليص فترة الحرب إلى أقل ما يمكن، وبتقليل عدد القتلى إلى أقل ما يمكن أيضا، لأن الإسلام هو دين الحياة، لا دين الموت.

س7: في رأيكم هل يؤدي مفهوم اللاعنف إلى معنى الاستسلام ؟

ج7: بل في معظم الأحيان يؤدي إلى النصر كما رأينا في سلوك الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) فإنه التزم باللاعنف في مجلس يزيد بن معاوية (لعنة الله عليهما) حيث حاول يزيد استثارته لتبرير قتله ولكنه حرص على عدم مقابلته بالمثل بل بالمنطق القوي المعبّر عن شجاعة النفس فأوقع فيه الاستسلام. ومازال كل مطلّع على ذلك الموقف التاريخي يقول أن المنتصر كان هو الإمام والمهزوم كان يزيد. وفي هذا الخصوص شواهد كثيرة في سيرة نبي وأئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين.

س8: هل هناك آثار نفسية واجتماعية وتربوية يمكن أن يخلفها العنف من خلال التراكمات السلوكية المتلاحقة؟

ج8: على الصعيدين النفسي والاجتماعي يخلق حاجزا أمام تكامل المجتمع البشري بوضع الحواجز بين قومية وأخرى، وإثنية وأخرى، مما يؤدي إلى الركود الحضاري فضلا عن الاحتراب والاحتقان المتزايد. وعلى الصعيد التربوي تؤثر أعمال العنف والعنف المضاد على شخصية الأجيال الصاعدة وتكسبها نزعة عدوانية وحدّية، الأمر الذي يفاقم من المشكلة ويضاعف خطورتها مع المستقبل.

س9: ماهي الصلة بين القمع.. الديكتاتورية.. الكبت السياسي، والعنف؟

ج9: صلة مباشرة، فهي المسببات الرئيسية للعنف حيث تخلق الأجواء التي تنمو فيها النزعات المتطرفة.

س10: هل هناك ربط بين العنف والديمقراطية؟ بين حرية الرأي والعنف؟ بين التعددية الفكرية والسياسية والعنف ؟

ج10: ربط عكسي، فكلما زادت مساحة الديموقراطية وحرية الرأي والتعددية الفكرية والسياسية كلما تضاءلت نسبة وقوع العنف. وكمثال على ذلك: وقوع تفجيرات وأعمال إرهابية محدودة في بريطانيا لا يتجاوز عدد ضحاياها المئة تعتبر في هذا البلد حدثا استثنائيا خطيرا وعلامة فارقة في تاريخه، أما وقوع آلاف الضحايا في العراق يوميا وبشكل مستمر بالحوادث الإرهابية أصبح أمرا معتادا ولا يثير كثيرا من العجب، ذلك لأن البلد الأول توفّرت فيه الأجواء الديمواقراطية وحرية الرأي والتعددية الفكرية والسياسية إلى حد معقول فيكون وقوع مثل هذه الحوادث فيه أمرا غريبا تحت غطاء التساؤل عن الذي يدفع البريطاني للإقدام على عمل كهذا مع نشوئه في بيئة كهذه. أما البلد الآخر فلم يعش في تاريخه الحديث حرية أو تعددية ولم تتوفّر فيه المساواة والديمواقراطية بل نشألت الأجيال فيه على الحروب وعمليات الإبادة الجماعية والديكتاتورية ومصادرة الحقوق فتطبّع بعض العراقيين بهذا الطابع العنيف وأصبحت عندهم القابلية على تجنيدهم من قبل جماعات الإرهاب.

س 11- ماهي علاقة المنظومة المعرفية العربية بانتشار التطرف والارهاب؟ وهل النظام المعرفي معبأ بالعنف، التطرف و الكراهية للآخر؟ وهل يشكل النظام المعرفي العربي عقبة أمام التطور نحو الإصلاح و الديمقراطية؟

ج11: نعم هو كذلك، فمادام الإعلام العربي موجّها من قبل السلطات والجهات الرافضة للتعايش فإن العقل العربي يعيش أزمة تغييب كبرى، والمنظومة المعرفية المعربية مسممة بإثارة الكراهية بخلق النزاعات وتغذية روح التطرّف، لأن هذه المنظومة لم تتكوّن عند معظم الأفراد العرب إلا بواسطة الإعلام السائد.

س12 : هل يمكن أن نطلق على بعض حالات استخدام القوة التاريخية والمعاصرة بأنها عنيفة أم إنها دفاع مشروع؟ وكيف يمكن وضع اطار واضح لها يحدد الحق المشروع منها؟

ج12: جميع حروب الرسول الأكرم والإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) كانت دفاعية ولم يبدأ أحد منهما بالقتال إلا بعدما ابتدأه الخصم أو عزم على ذلك فكانت الحرب استباقية، وعليه فإن هذه الحالات من استخدام القوة هي دفاع مشروع. وأما واقعة الطف ونهضة الإمام الحسين سيد الشهداء (صلوات الله عليه) فكانت بمثابة حرب اضطرارية لأنه (عليه السلام) رغب بالتخلص من الحكم الجائر وغير الشرعي فمضى في طريقه هذا حتى اعترضه جيش السلطة الغاشمة فاضطر للقتال، فهو أيضا دفاع مشروع.

أما الإطار لاستخدام هذا الحق المشروع فمحدد في الفقه الإسلامي بوضوح، الفقه الذي لم يصنعه فقهاء السلاطين، وفيه أن رفع السيف لا يكون إلا لدفع باطل أو ظلم، أو إقامة حق وعدل. والمقياس في تحديد الحق من الباطل، والعدل من الظلم، هو ذاته المقياس الشرعي المستنبط من الأدلة الأربعة، الكتاب والسنة والعقل والإجماع.

وثمة إشارة مهمة هنا، وهي أن استخدام قوة الرأي، لا يكون أيضا من مصاديق العنف، فأن يتحدث المسلم بقوة عن دينه وينتقد الأديان الأخرى كاشفا ما فيها من نقاط لا تنسجم مع العقل والمنطق، لا يعتبر عنفا، بل قوة رأي. والقوة ليست عنفا.

س13: هل يمكن أن يعتمد العنف كوسيلة أساسية لحل الكثير المشكلات التي تواجه الإنسان والمجتمعات؟

ج13: لا. لا يمكن. يمكنه فقط أن يحقق نجاحات وقتية وهمية لن تصمد مع مجيء العنف المضاد.

س14: هل يمكن لمنهجية اللاعنف ان تكون بديلا فعالا للكثير من ألازمات المعاصرة مثل: الانشقاقات، النزاعات، الصدامات المسلحة، التفكك.. باعتبار ان اللاعنف طريق نحو الحوار الموضوعي.. ام لا؟

ج14: نعم يمكن بكل تأكيد، فهو يوفّر الجو الصحي لبدء الحوار بعيدا عن الترسّبات العنفية. وقد نجح ذلك في حركة المهاتما غاندي في الهند، ونيلسون مانديللا في جنوب إفريقيا. وهذان مثالان معاصران، فقد تحقق التغيير فيهما على أساس اللاعنف وعلى أرضية صلبة صامدة، ولو بعد حين.

إن المشكلة هي أن الذين يلجئون إلى العنف يريدون تغيير الواقع بسرعة، أما الذين يلتزمون باللاعنف فيصبرون، لأنهم يريدون تغيير الواقع على أسس سليمة تصمد للمستقبل، ولا يريدون أن يتحقق تغيير سريع غير مستقر يعود إلى نقطة الصفر من جديد بمجرد عودة العنف المضاد. اللاعنف يخلق واقعا مستمرا لأنه يقضي على نزعات الموتورين والمتأثرين سلبا من التغيير، أما العنف فيخلق واقعا هشّا لن يصمد لأنه يبقي حالة السخط عند الموتورين والمتأثرين ويولّد عندهم حسّ الثأر.

س15: مشروع النهضة الإسلامية وحركة التغيير هل يمكن ان تحقق من خلال منهجية العنف او منهجية اللاعنف؟ ا وان هناك طريق آخر؟

ج15: بالأصل، النهضة الإسلامية وحركة التغيير الإسلامية إذا سلكت منهجية العنف فإنها تكون حركة غير إسلامية، لما ذكرناه من أن العنف محرّم في الشريعة الإسلامية، وإنما المجاز هو الدفاع الجهادي واستخدام القوة في مواردها المقررة شرعا فحسب. لذا فلا يمكن أن تتحقق نهضة إسلامية بالعنف، لأنها لن تكون نهضة إسلامية أصلا.

س16: - ما هي السبل التي يمكن من خلالها نشر ثقافة اللاعنف؟ اذ يعتقد البعض بأن اللاعنف مفهوم مثالي يصعب تطبيقه ؟

ج16: لا يمكن نشرها على أنقاض النسخة المزيّفة من الإسلام، فمهما حاولنا تركيز هذا المفهوم في الأذهان عبر مختلف وسائل التوعية، ستبقى هناك الأرضية المشوبة بالشوائب التي تساعد على نمو التطرف والإرهاب والعنف. لذا فإن الأنجع هو اجتثاث تلك النسخة المزيفة من حيث الأصل، وتوعية الناس بحقيقة الإسلام القائم على تلقي التعاليم من أهل بيت الوحي والعصمة (صلوات الله عليهم) لا من غيرهم.

س17: الحركات الإسلامية بقسميها ـ ألعنفي واللاعنفي ـ كل يدعم منهجه بالإسلام، فأيهما يمكن أن يوصل للغايات والمقاصد خاصة؟ إذا علمنا بأن المنهجين يمكن ان يكونا متناقضين؟

ج17: هذا التناقض راجع كما ذكرنا من اختلاف المصدر الذي يتلقى فيه كلا الطرفين الدين الإسلامي، والحركة التي تتبع سلوك العنف إنما تأخذ من المصدر المنحرف الذي صنع البديل المزيّف للإسلام. والذي يوصل للغايات والمقاصد النبيلة هو القسم الذي يأخذ الإسلام من منابعه الأصيلة، والتي يكون اللاعنف إحدى سماتها.

س 18: ما هو تأثير أحداث سبتمبر التي وقعت في أمريكا على الوجود الإسلامي في الغرب؟ وهل لهذا الحدث العنيف دور في ترويج سمعة سيئة للإسلام في الغرب؟

ج18: لا شك أن أحداث سبتمبر والأحداث الأخيرة في مدريد ولندن وغيرهما من العواصم الغربية باعدت بين الإسلام وبين تلك المجتمعات، وأحبطت جهود كثير من العاملين على استصلاح تلك المجتمعات بتشجيعها على اعتناق الإسلام العظيم، وقد أخّرت هذه الأحداث الحركة الإسلامية عشرات السنين إلى الوراء. غير أنه يمكن استثمار القلق المتولّد في نفوس الغربيين من الإسلام إيجابيا، لأنهم اليوم يسعون إلى فهم هذا الدين "العدواني" من وجهة نظرهم، والأنظار متجّهة لمعرفة أسباب قيام أهل هذا الدين بمهاجمتهم ومحاربتهم، وهذا الاهتمام والضوء المسلط على الإسلام والمسلمين يمكن استثماره إيجابيا بشرح حقيقة الإسلام العظيم وتوضيح صورته وتنزيهه عن أعمال الإرهابيين الحمقى، وهو ما سيؤدي لاحقا إلى إقبال هؤلاء على الإسلام لأنهم لو عرفوه على حقيقته لما تخلّوا عنه، بل لتخلّوا عن الدين النصراني غير المنسجم مع العقل الذي يؤمنون به بعدما يعرفون أن الإسلام الحقيقي هو دين الحضارة والتقدم وأن ما سواه كالنصرانية إنما هي أديان التخلف والعودة إلى الوراء.

س 19: (الاستبداد، فقدان الحريات ، القمع و الاضطهاد ، و عدم وجود البنيات الموسساتيه ) ما هي أسباب نشوء العنف في العالم الإسلامي ، و هل لهذه دور في نشوئها و تكريسها ؟

ج19: نعم لهذه جميعا أسباب في نشوء العنف، لكنها جميعها متصلة بالأصلين الرئيسيين اللذين ذكرناهما آنفا، وهما توافر الموروث المشجع على العنف، واختلال الموازين العالمية التي أوقعت المسلمين في شعور بالغبن والظلم والاضطهاد.

س 20- هناك حركة إصلاح قوية يمر بها العالم، لاسيما العالمين العربي والإسلامي، تتمثل باندفاع الشعوب نحو الشوارع للقيام بعصيان مدني شامل يهدف إلى إسقاط الحكومات والقيام بالتغيير، برأيكم ما سبب هذا التحرك في هذه المرحلة؟.

ج20: جزء منه حقيقي وجزء منه مكذوب. وجزء منه ذاتي وجزء منه مسيّر. الجزء الحقيقي والذاتي: ازدياد وعي بعض المسلمين مع مرور الزمن في الآونة الأخيرة وانفتاحه على تاريخه لاكتشاف موارد الاعتلال لإصلاح الوضع الحالي ووضع المستقبل، فصار إلى التحرك التغييري. الجزء المكذوب: تحرك المتكسّبين والطامحين إلى القيادة والسلطة في المرحلة الجديدة تحت شعار الإصلاح والتغيير على أساس "حشر مع الناس عيد" أي الصعود على ظهر رغبة الشعوب بالتغيير والإصلاح. أما الجزء المسيّر: فهو بعض من يدفعهم الغرب لتبوّأ مراكز القيادة في المستقبل حيث يعدّهم الغرب في استراتيجيته لإعادة تنظيم منطقة الشرق الأوسط لتلك المهمة، وهم أوجه للاستعمار الجديد الذي يتمثّل بالترويج للقيم الأميركية والتسليم بقيادتها للعالم.

وقد لعبت الثورة التقنية المعلوماتية دورا أساسيا في إعادة هيكلة العقل العربي والإسلامي في الفترة الأخيرة، فالفضائيات وشبكات الإنترنت غيّرت كثيرا من المفاهيم الأيديولوجية السائدة في مرحلة الإعلام الموجّه والثقافة الموجهّة، وأصبح هامش المناقشة بحرية أكبر وأوسع، الأمر الذي قاد الناس إلى مراجعة ما تتبناه من مفاهيم وتغييرها.

س 21- هل يمثل العصيان المدني اسلوبا حضاريا جديدا يكون بديلا عن العنف، وهل برأيكم سوف يحقق اهداف التغيير؟

ج21: هو من أفضل أساليب التغيير وأقواها تأثيرا وأقلّها ضررا على الأنفس والأموال، وقد دعونا إلى العصيان المدني قبل أكثر من خمس سنوات في إحدى كتاباتنا وقلنا وقتها أنه أسلوب إسلامي للضغط والدفع باتجاه التغيير، وأنه بالأصل حكم إسلامي حيث يمنع الشرع من الرضوخ للقوانين الوضعية الجائرة التي تضعها الحكومات لتقييد الحريات أو مصادرة الحقوق، وأن العصيان في تنفيذها إنما هو رجوع إلى الحكم الشرعي، ولو التزمت الأمة به لسقطت هذه الحكومات وقوانينها تلقائيا وبلا نقطة دم واحدة.

س 22- نلاحظ إن العالم العربي و الإسلامي لا يتقبل عملية الإصلاح إلا بوجود ضغوط خارجية قوية، فما سبب في ذلك؟ و هل بالإمكان قيام الشعوب العربية الإسلامية بحركة الإصلاح دون التدخل الخارجي؟..

ج22: حتى الآن لم تستجمع الأمة قواها بسبب بطء عملية تغيير القناعات والأفكار، رغم أن وتيرتها تجري أسرع من السابق. ولذا فإن الأمة والحركة التغييرية والإصلاحية فيها ما زالت غير قادرة على مواجهة حراس الأنظمة القديمة بسبب اختلال موازين القوى. ونتيجة لذلك لا يمكن تحقق التغيير دون إسناد خارجي. ونحن طبعا لا نرى الإسناد الخارجي جائزا من حيث الأصل، ونشكك في نواياه الحقيقية، لكننا يمكن أن نتعاطى وإياه استثناءً تغليبا للأهم على المهم، وحسب القواعد الشرعية المقررة، مع علمنا بأن الإسناد لن يدوم مع اختلاف المصالح مستقبلا، فهو إسناد مؤقت لأن السياسة ليس فيها ثابت.

أما عن قبول العالم العربي والإسلامي لعملية الإصلاح، ليس في تصوّرنا أنه لا يقبل، إنه يقبل ولكنه لا يعرف ما هو الإصلاح ولذا فإنه يقف موقف المتردّد. المسألة مرهونة بالتوعية أولا وأخيرا.

س 23- لماذا تتمركز حالات الاستبداد، الديكتاتورية، والمركزية المطلقة في العالم العربي والإسلامي؟ و لماذا تأخر كثيرا في ممارسة الديمقراطية ؟

ج23: إنها لا تتركز هنا فحسب، إنها في أوربا الشرقية أيضا، وفي شرق آسيا، وفي معظم دول أفريقيا، وأميركا اللاتينية. وكما تأخرت هذه المنطقة في ممارسة الديموقراطية فقد تأخرت المناطق الأخرى أيضا. المشكلة ليست فقط هاهنا، إنها مشكلة الوعي والفهم والتطبيق. الغرب تخلّى عن موروثه الديني الرجعي بثورته على سلطة الكنيسة وأوجد البديل الوضعي الجيد نسبيا من وجهة نظره فتقدّم حضاريا، لأن موروثه الديني النصراني كان يقيّد حركته النهضوية بمعاداته للعلم وإصراره على الخرافات. الأمر نفسه وقع عندنا لكن النتيجة كانت عكسية، انقلب المسلمون على الإسلام ظنا منهم أنه هو الذي يؤخّرهم ونسوا أنه نسخة مزيّفة ولم يبحثوا عن الأصل الحقيقي، وتصّوروا أنهم بانقلابهم على دينهم يفعلون ما فعله النصارى الغربيون وسيتقدّمون بسببه، لكن العكس تماما حصل، لأن الإسلام هو الذي يدفع الإنسان نحو النهضة والعلم، وهو الدين المشتمل على أعظم مشروع حضاري متكامل للخليقة، ولهذا تأخر المسلمون أكثر مما كان في السابق حيث كانت لديهم بضع بقايا من إسلام حقيقي ساعدهم على التطوّر والتحضّر.

س 24- ما هي عناصر و شروط نجاح ممارسة الديمقراطية في العالمين العربي و الإسلامي؟

ج24: نحن أساسا لا نعتقد بالديموقراطية منهجا أساسيا، وإنما نعتقد بالإسلام بما يوفّره من ضمانات للمشاركة الشعبية في الإدارة فهو عندنا أكثر تقديرا واحتراما لإرادة الإنسان وضمانا لصلاحه ومستقبله من المنهج الديموقراطي الصرف، وإنما يجري لفظ الديموقراطية على ألسنتنا تسامحا. بعد هذه التوطئة نقول أن نجاح هذه المشاركة الشعبية في الإدارة يعتمد على خلق الأجواء الإيجابية المساعدة لذلك في الأمة، والتي تم شرحها آنفا، ومن دون تنقية أجوائنا من الاحتقانات الموجودة حاليا، فلن تكون هناك ممارسة ناجحة للمشاركة الشعبية في الإدارة.

س 25- هل ترغب في أن يكون الإصلاح من الداخل أو من الخارج، وماذا لو لم نتمكن من تحقيق الإصلاح من الداخل بسبب البطش والقمع الذي تمارسه الانظمة الاستبدادية؟. وفي رأيكم ما هي النتائج المترتبة على الإصلاح من الخارج؟

ج25: من البديهي أن الإصلاح من الداخل هو الصحيح، أي إصلاح مكامن الخلل في ثقافتنا الحيوية وإعادة مجتمعاتنا إلى الإسلام والالتزام بمبادئه الحضارية الرائعة، أما الإصلاح الذي يأتي من الخارج فكما ذكرنا سابقا لا يكون إلا وقتيا لأنه مرهون بمصالح الخارج، وهو إصلاح كارتوني إن جاز التعبير، لا يكون إلا وهما في غالب الأحيان، فإنما يغيّر الصورة ولا يغيّر الجوهر، وفي هذا شواهد كثيرة في التاريخ، فإن الشعب الذي يفرض عليه الإصلاح من الخارج يفشل عادة في المستقبل وتعود حالته إلى التأزم، أما الشعب الذي يقود عملية الإصلاح ذاتيا ومن الداخل فإنه ينجح في تجربته لاعتماده على نفسه. لكننا هنا لسنا نمنع من "الاستعانة" بقوة الخارج في حالات الضرورة التي لا يكون فيها بمقدور الشعب تحقيق التغيير والإصلاح من الداخل، على أن تكون الاستعانة محدودة ومجازة من حاكم الشرع، وأن يكون المستعين حاذقا حكيما، فيستفيد من القوة الخارجية على أساس تبادل المصالح لا على أساس التبعية وما أشبه. وإنما لا نمنع من هذا النوع من الاستعانة لأن الأصل في الإسلام هو حفظ الأرواح وتحقيق أقصى درجات العدالة، فإذا كان هناك خطر جاثم يزهق أرواح الأمة ويهدر دمائها وينتهك أعراضها وليس بالإمكان دفعه إلا بالتوسل بالقوة الخارجية، فيجوز للأمة هذا النوع وهذا المقدار من الاستعانة من باب الاضطرار وانسداد طرق الحل الأخرى. وما جرى في العراق هو نموذج لذلك. وفي هذا المثال، لا يخفى أنه لو كان الإصلاح من الداخل ممكنا وتحقق فعليا، لكان وضع العراق اليوم من حيث الأمن والسلام أفضل من وضعه الحالي بكثير، وهذا هو الفرق بين الإصلاح الداخلي والخارجي.

و هناك ثلاثة اسئلة رئيسية في اولويات نقاش الغربيين حول الارهاب:

س - ما الذي يجعل اناسا ارهابيين؟

ج: الاضطهاد، الكبت، الاستبداد، الفقر، الحروب، الإعلام التحريضي الموجّه، الاختلال السياسي العالمي والإقليمي، الموروث الثقافي المساعد على التطرّف.

س - وما الذي يغذي الجماعات الإرهابية؟

ج: توافر الأجواء التحريضية، توافر المبررات للإقدام على الهجمات الإرهابية كالحروب الموجّهة وحالات الانتهاك للخصوصيات الدينية والإثنية، كما حدث في سجون غوانتامو وأبو غريب من إهانة للقرآن الكريم. هذا التوافر هو الذي يغذي الجماعات بالأفراد المستعدين للتجنيد. وأمر آخر يغذي هذه الجماعات، وهو المال السياسي والدعم اللوجستي الذي تقدّمه بعض الأنظمة في سبيل زعزعة استقرار أقاليم معيّنة درءا للخطر عنها وإشغالا لساحة الخصم بها، كما فعلت الولايات المتحدة من دعم للجماعات الإرهابية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وكما فعلت ليبيا من دعم لجماعات متعددة في لبنان وفلسطين وحتى أيرلندا الشمالية.

س - وما هي ردود فعل الناس على الهجمات الإرهابية؟

ج: في معظم الأحيان وحيث لا يكون الخطر مباشرا، لا تكون ردة فعل الناس أكثر من الأسف، ولربما ارتاح البعض أيضا نكاية بخصمه الذي يعتقد أنه يقف وراء اضطهاده وظلمه. أما حين يكون الخطر مباشرا وتحقق الهجمات خسائر على المجتمع نفسه، فتكون ردة الفعل عنيفة، ويمكن أن تولّد عنفا مضادا، كما صرّح عضو كونجرس أميركي بالرغبة في نسف مقدّسات المسلمين، كالكعبة المشرّفة، كردّ على الاعتداءات الإرهابية في أميركا.

وفقكم الله لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 22 من شهر جمادى الآخرة لسنة 1426 للهجرة الشريفة.

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp